السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
و صل اللهم و سلم و بارك على خاتم النبيين و إمام المرسلين محمد بن عبد الله و على آله و صحبه الطيبين .
الجن ,
لو كتب أحدنا كلمة الجن على محرك البحث , لرأى أن المواضيع التي تتحدث عن الجن تفوق الملايين عددا .و لو تتبع أحدنا مظاهر خوف البشر من الجن لما نتهى من سرد تلك المظاهر التي تكاد تعود بالناس إلى الوثنية .
فالناس يخافون الجن خوفا شديدا .و لم تفلح حتى نصائح العلماء و كلامهم حول ضعف الجن و خوفهم من الإنس .
و الحقيقة أن الإنسان يخاف من المجهول .و هذا هو شر خوف الناس من الجن .
لأن الناس لا يعرفون حقيقة الجن معرفة صحيحة قائمة على أسس من الفهم الصحيح لكتاب الله و سنة رسوله .
و كل من يبحث حقيقة الجن في القرآن و السنة , لن يخاف بعد الآن من الجن أبدا , دون أن يكون في حاجة لا لراق و لا لساحر و لا لتميمة أو حجاب.
فما هي حقيقة الجن؟.
و هل يتحدث القرآن الكريم عن تلك الكائنات الشبحية الخفية , التي لا ترى و لها قوة و سرعة تفوق قوة الإنسان و سرعته ؟.أم أن لكمة الجن مدلولات أخرى ؟.
يقول الله تعالى :{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (2) سورة يوسف.
فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين .
و كما نرى في الآية الكريمة , أن من وسائل فهم القرآن الكريم , بعد القرآن نفسه , اللغة العربية و العقل أيضا .(( لعلكم تعقلون)).
الجن , لغة تعني الإستتار و الإختفاء .
جن : يعني استتر و اختفى .
و تعني أيضا مجازا , الحذاقة و البراعة , و القوة و الهيمنة .
كأن تقول عن رجل بارع حاذق , كأنه جن. أو كأنه شيطان .
تبدأ رحلة البحث عن حقيقة الجن , حين يسأل المسلم نفسه , لكن بغرض الجواب المقنع و ليس جوابا هروبيا يتعارض مع الواقع المعيش.
السؤال: هل فعلا توجد كائنات حية عاقلة و مكلفة لا ترى ؟.
الجواب : هناك جوابان.
الأول: جواب يستند للواقع المعيش: لا وجود لهذه الأشباح مطلقا . حيث لا يمكن غثبات وجودها بدليل مادي حسي أبدا .حتى أن كبار السحرة و كبار الرقاة يعجزون عن تقديم دليل واحد حسي مادي يثبت وجود الجن الأشباح .
الجواب الثاني: يستند لفهم بسيط غير عميق لآيات القرآن الكريم و للأحاديث النبوية الشريفة .و الجواب: نعم هناك جن .
و الدليل سورة الجن و كل آية تضمنت كلمة الجن .
حتى و لو عدمنا دليلا حسيا يثبت وجود الجن الأشباح.
بعبارة أخرى : ينبغي عليك أيها المسلم أن تؤمن بوجود الجن الأشباح لسبب بسيط هو وجود كلمة الجن في القرآن و الحديث .
و هناك يتبين بجلاء ضرورة بحث حقيقة الجن بحثا معمقا يأخذ في الحسبان كل آي الذكر الحكيم القرآن المجيد و كذلك الأحاديث النبوية الشريفة , و في نفس الوقت لا يتجاهل الواقع .
لأن الله تعالى لم يطلب منا التسليم و الكف عن البحث و التدبر.بل بالعكس خاطب القرآن عقول البشر و حثهم كثيرا على التدبر و التفكر .فالله تعالى عالم الغيب و الشهادة و لا يعزب عن علمه مثقال ذرة .
فلا يعقل أن يحدثنا عن شيئ لا دليل عليه في الواقع و كأن الله يطلب منا مساعدته بالكف عن التدبر و التفكر .
إخوتي الكرام ربما , سيقول قائل : هذا الرجل يريد تشكيكنا في عقائدنا .
لكن لما لا يقول قائل : إن ما يقوله الرجل فيه كثير من المصداقية .لأن الواقع لا يشهد بوجود هذه الأشباح .و بالتالي بات من الضروري بحث حقيقة الجن بحثا علميا دقيقا .
و كي لا يخشى المسلم من مناقشة هذه القضية, فليعلم أن الجن ليست من أركان الإيمان .فلا حرج من بحثها , بل يجب على المسلم بحثها بحثا مستفيضا .
أختصر نقاط النقاش فأقول:
هل خاطب القرآن الكريم الجن الأشباح كخطابه الناس البشر؟.
وردت عبارة ( يا بني آدم ))05 مرات في القرآن الكريم .
لكن لا نجد عبارة مماثلة تتوجه للجن (( يا بني جن)).
لماذا ؟.
يا أيها الناس , وردت في القرآن الكريم :20 مرة . و لم ترد عبارة ( يا أيها الجن) و لا مرة .
لماذا؟.
صيغة ( يا أيها الإنسان)) وردت مرتين على ما أظن .و لم ترد صيغة مماثلة (( يا أيها الجان )).
نتتبع الآن بعض آي الذكر الحكيم :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (21) سورة البقرة.
لا توجد آية مماثلة تتوجه بنفس الأمر للجن . يا أيها الجن اعبدوا ربكم .......!!!!!
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (172) سورة الأعراف.
لا يوجد في القرآن عهد أخذه الله تعالى على بني الجن .
!!!!!!!!!!!.
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) سورة الروم.
فطرة الناس . الناس فقط.
{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (24) سورة البقرة.
الناس و الحجارة فقط.
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (125) سورة البقرة.
للناس فقط.
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة.
هدى للناس.
{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (25) سورة إبراهيم.
للناس فقط .
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (72) سورة الأحزاب.
حملها الإنسان فقط .
{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1) سورة إبراهيم.
لتخرج الناس فقط و ليس الناس و الجن .
بقي المسلمون و خاتم النبيين محمد-ص- قرابة 03 سنوات في شعب أبي طالب يقاسمون الصبر على البلاء و الجوع و العطش .و لم يحدث أن جاء جني مسلم بشيئ من الطعام و الشراب و الغطاء للمسلمين .
فما القصة؟.
تبدأ الأمور تتضح حين تعلم عزيزي القارئ أن كل كائن حي يتكون حتما من الماء و الماء مادة .
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (30) سورة الأنبياء.
فلو كان الجن كائنات حية حقا لكانت تتكون من الماء و الماء مادة و بالتالي تخرج الجن من دائرة الغيب قطعا .فضلا على أنها كما يزعم الشيوخ تأكل و تشرب و تتناسل .
فهل ستتسع صدور الإخوة لبحث القضية من جديد؟.
أتوقع أن أول من سيعترض سيقول: و ما قولك في قول الله تعالى :{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات.
و الجواب : بما أن القرآن خطاب للناس فقط .
و مهمة الرسول هي إخراج الناس فقط من الظلمات إلى النور.
و بما أن البيت مثابة للناس فقط .
و بما أن رمضان هدى للناس فقط .
و بما أن وقود النار هم الناس و الحجارة فقط .
فالجن و الإنس في الآية الكريمة صنفان من الناس .
صنف عرفته و رأيتهم بعينك فهم إنس.
و صنف غابوا عنك و لم ترهم فهم جن .أي من سبقك من الناس و من سيأتي بعدك و من هم في خفاء عنك.
للكلمتين أيضا معان أخرى في ضوء القرآن الكريم :
الإنس هم الناس العاديون .العامة .
و الجن هم الناس الخواص .
بدليل أن تخاصم أهل النار يبين لنا وجود صنفين .
الكبراء و السادة . و العامة المستضعفون .
الذين اتبعوا ---بكسر الباء. و الذين اتبعوا بفتح الباء.
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} (67) سورة الأحزاب.
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} (166) سورة البقرة.
بعد هذه المقدمة ستنجلي كل الإلتباسات .لنرى أن جن سليمان كانوا يقرنون في الأصفاد .اي كانت لهم أجساد مادية تسمح بتقييدهم و تكبيلهم . و كان منهم الغواص و البناء -حرفيون مهرة حاذقين-.
{وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ} (37) سورة ص{وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} (38) سورة ص.
سنواصل البحث إن شاء الله تعالى .لأن هذه الحقيقة ستجعلك موحدا الله حق التوحيد.لن تخاف بعد الآن من الجن أبدا .
من معاني الجن في الحديث الشريف:
الحديث: (( قال رسول الله محمد-ص-: اللهم اجعل فناء أمتي في الطعن و الطاعون .قيل : يا رسول الله هذا الطعن عرفناه.فما الطاعون؟.قال وخز أعدائكم الجن .و في كل شهادة)).
من الثابت علميا أن الطاعون تسببه كائنات حية خفية عن النظر فهي جن لا ترى .و هي ميكروبات .
فمن أين أتى خاتم النبيين بهذا السبق العلمي العظيم؟.
لكن لا أحد يزعم أن الطاعون تسببه الأشباح .
نهى رسول الله الصحابة عن الإستنجاء بالروث و العظم .و كي لا يكثر الصحابة من السؤال علل رسول الله نهيه بكون العظم و الروث طعام الجن .
الحقيقة أن الله تعالى خلق البكتيريا الخفية عن النظر , لتقوم بعملية تحليل النفايات و الأوساخ .
و لو لا هذه الجن لتعفنت الأرض برا و بحرا .
فمن أين أتى خاتم النبيين بهذا السبق العلمي الباهر؟!!!!!!!!!!.
سبحان الله .
إنها آية باهرة تدل قطعا على صدق خاتم النبيين محمد صلى الله عليه و آله و سلم .
فهل نترك هذا الفهم العلمي لنصيحة ثمينة من رسول الله -ص- و نتمسك بفهم لا دليل عليه يفيد دون دليل أن الأشباح تأكل الجيفة و الروث و النجاسة .و منهم جن مسلمون ينبغي أن يكونوا أطهارا ؟!!!!!!!!!.
تحيتي لكل مسلم يتدبر كتاب الله المجيد.
منقول.